تدخل الأطراف المتفاوضة العملية التفاوضية بعقلية الفوز والحصول على ما تريد، معتقدةً أن الضعف في عملية التفاوض يعني الفشل، بخلاف ما تؤكده أبحاثٌ كثيرةٌ تؤكد أن الموقف التفاوضي الضعيف يحمل مزايا عدة تزيد من فرص كسب العملية التفاوضية شريطة توظيف العديد من الاستراتيجيات والنصائح.
يناقش هذا المقال العملية التفاوضية من منظور المفاوض الضعيف، لتبيان حقيقة الضعف كمصدر قوة في الكثير من الحالات شريطة تعلُّم الأساليب والاستراتيجيات وكيفية توظيفها في أثناء عملية التفاوض، مسطاً الضوء على العقلية الصحيحة لإدارة العملية التفاوضية بعقل وحكمة.

أهمية التفاوض من موقف تفاوضيّ ضعيف
لا يُعدّ التفاوض من موقف ضعف أمراً سلبياً دوماً، بل يحمل في طياته ميزات عدة إن أحسن الطرف الضعيف استغلاله؛ فهذا الضعف من شأنه أن يحرّره من قيودٍ تحد من قدرته التفاوضية مع محدودية خياراته. أن لا تملك ما تخسره في عملية التفاوض، قد ينتهي -في الغالب- للخروج بصفقةٍ رابحةٍ بخلاف توقعاتك.
وتعدّ الحملة الانتخابية الرئيس الأمريكي ويلسن خير مثال؛ إذ طُبع للحملة 3 مليون صورة، ليكتشف مدير الحملة الانتخابية قبل توزيعها على المناصرين أنهم لا يمتلكون حقوق الملكية من المصوِّر، ما يجعله يمتلك الحق بمقاضاتهم، وكسب 1 3 مليون دولار بمعدل 1 دولار عن كل صورة.
في موقف تفاوضي ضعيف، فُرض على مدير الحملة الانتخابية خياران: قبول أي مبلغ يحدده المصوِّر، أو إعادة طبع الصور من جديد يترتب عليه عبئاً إضافياً في المال والوقت. جاء تصرف مدير الحملة عكس المتوقع؛ أرسل إلى المصور خبر ترشيح صورته للرئيس ويلسون لكون الصورة الرئيسية للحملة الانتخابية، ويسأله ماذا يدفع لقاء ذلك، مستغلاً ما سيحصده الأخير من شهرةٍ جراء ذلك، مع وضع مدرة زمنية للاتفاق.
كيف أتفاوض من موقف تفاوضي ضعيف؟
لا بد أن موقف مدير الحملة أعلاه حفّز داخلك عقلية قلب طاولة المفاوضات لصالحك أياً كان موقفك التفاوضي! وتسأل نفسك كيف أفعل ذلك؟
كم مرة دخلت في عملية تفاوض يكون فيها الطرف الثاني هو الطرف الأقوى، وانتهت العملية لصالح الطرف الثاني دون أن تصل إلى ما تريد؟ كموظف يتفاوض مع مديره من أجل إجازة أو الحصول على زيادة في الراتب، أو مشترٍ تتفاوض مع بائع حول خدمة أو منتج يريد شراءها.
إليك أهم النصائح التي يمكنك اتباعها لتقلب الطاولة لصالحك
- قدِّم عرضاً عالياً حتى تحصل على ما تريد مع التنازلات التي تقدمها خلال عملية التفاوض.
- ركِّز في النقاش على المواضيع التي تجد نفسك قوياً فيها.
- قدِّم قيمة ومنفعة للطرف الآخر.
- اجمع المعلومات عن الطرف الذي تتفاوض معه.
- جهّز قائمة بنقاط القوة والضعف الخاصة بك وبالطرف الآخر.
منطقة المنفعة المشتركة ZOPA
تعني منطقة المنفعة المشتركة التي يشار لها، أو زوبا Zopa كاختصار لمصطلح The Zone of Possible Agreement والتي تعني المجال التفاوضي الذي يشتمل النقاط المشتركة بين الأطراف المتفاوضة، ويُمكِّنهم من التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.
يمكن القول أن الزوبّا هي المجال الذي يمكن فيه للأطراف المتفاوضة العمل سويةً باتجاه أهداف مشتركة، ثم التوصل إلى منافع مشتركة للجميع تنتهي بالخروج باتفاق مرضٍ لجميع الأطراف المتفاوضة. يعد فهم منطقة المنفعة المشتركة فهماً صحيحياً حجر أساس في التفاوض الناجح؛ حيث يوجد زوبّا، يتحقق الاتفاق.

توضح الصورة أعلاه منطقة المنفعة المشتركة (الزوبا) التي تسمح للأطراف المتفاوضة مساحة للحركة؛ تتكون المنطقة من محور أفقي للمجال التفاوضي الذي يزيد كلما تحركنا من اليسار لليمين على طول هذا الخط. تقع منطقة المنفعة المشتركة (زوبّا) أعلى من الحد الأدنى للطرف الأول وأقل من الحد الأدنى للطرف الثاني؛ يستطيع الطرفان في هذا المجال التحرك والتفاوض للتوصل إلى الاتفاق المطلوب.
ما الحل إذا كانت منطقة الزوبا غير متاحة؟
يعد وجود منطقة الزوبا شرطاً أساسياً في نجاح العملية التفاوضية، لكنه ليس خياراُ متاحاً دائماً. في هذه الحالة، ركز على فهم اهتمامات الطرف الذي تتفاوض معه من أجل تقديم القيمة التي يسعى للحصول عليها، محاولاً سد فجوة غياب منطقة المنفعة المتركة بينكما. لكن كن حذراً في القيمة التي تقدمها حيث تكون ذي أهمية كبيرة لمن تتفاوض معه، وغير ذات أهمية بالنسبة إليك في الوقت ذاته.
أنواع منطقة المنفعة المشتركة (زوبا)
تقسم منطقة المنفعة المشتركة إلى نوعين رئيسيين
- منطقة المنفعة المشتركة الإيجابية: عندما تلتقي الشروط التي يقدمها الطرف الأول مع الشروط التي يوافق عليها الطرف الثاني. وهو ما حدث في مفاوضات هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز التي كان فيها الأخير في موقف تفاوضي ضعيف، ولكنه نجح في تحقيق أهدافه من خلال تحديده الصحيح لمنطقة المنفعة المشتركة بينهما، ومعرفته للباتنا الخاصة به، والباتنا الخاصة بمنافسته كلينتون، ثم بناء استراتيجيته التفاوضية بناءً على هذه المعلومات. فيديو
- منطقة المنفعة المشتركة السلبية: تكون عندما لا يلتقي ما يقدمه الطرف الأول مع ما يقبله الطرف الثاني، وفي هذه الحالة يكون التوصل إلى اتفاق أمراً مستحيلاً إلا في حال وافق أحد الطرفين أو كلاهما على تعديل رأيه وتقديم تنازلات.
لا يكفيك أن تتعرَّف إلى منطقة الزوبا وفهم أنواعها إذا كان هدفك الخروج من العملية التفاوضية بنجاحٍ كبيرٍ. من أجل ذلك تحتاج أن تعرف خصائصها، ما يعني اكتسابك قدرة أكبر على تسيير مجرى المفاوضات كما تشاء.
خصائص منطقة المنفعة المشتركة
1- منطقة المنفعة المشتركة منطقة غير ثابتة وقابلة للتغيير: يعني ذلك أن زوبّا (منطقة المنفعة المشتركة) قد تتغير، أو تكبر، أو تقلّ، أو تزول نهائياً خلال العملية التفاوضية، ما يستدعي من الأطراف المفاوضة أن تعيد ترتيب أولوياتها، وموقفها التفاوضي؛ لذلك كن متهيئأً دوماً للتأقلم مع أي تغيرات قد تحصل.
2- منطقة المنفعة المشتركة يمكن تشكيلها وتكوينها: يدور قسم كبير من العملية التواصلية في المفاوضات حول تشكيل منطقة زوبّا، من خلال دفع عجلة التفاوض للوصول إلى نقاط اتفاق يُبني عليها الاتفاق النهائي.
افعل ولا تفعل عند التفاوض من موقف ضعف
لا تقلق من ضعف موقفك التفاوضي، فالمفاوض البارع يخلق من الضعف قوة، وضع في اعتبارك نقاطاً عديدة تفعلها، وأخرى تتجنبها تُيسِّر الطريق أمامك لتحويل الدفة إلى حيث ترغب.
افعل
- ضع نفسك في مكان الطرف الآخر، وافهم ماذا يهمه بالدرجة الأولى وما يبحث عنه.
- تذكَّر دوماً سبب وجودك على طاولة المفاوضات، وما هي القيمة التي تمثلها وتقدمها في الوقت ذاته للطرف المفاوض الآخر.
- اطرح الأسئلة التي تساعدك في التعرُّف إلى اهتمامات الطرف الآخر ودوافعه.
لا تفعل
- التأرجح، كن حازماً وواضحاً حول ما تريد، وهذا يحدث من التحضير الجيد المسبق.
- الاعتماد على استراتيجية تفاوضية واحدة، بل نوِّع دوماً بالطرق والأساليب التي يمكنك استخدامها، بحيث تحصل على ما تريد.
- التصرُّف بأسلوب رد الفعل، فعندما يوجه لك الطرف المفاوض تهديداً أو خطاباً قاسياً ابقَ بعيداً عن الانفعال، وابقَ ثابتاً على أهدافك وحازماً بشأنها.
كيفية إدارة عملية المفاوضات
تقوم عملية التفاوض على اتخاذ قراراتٍ متتاليةٍ تؤثر سلباً أو إيجاباً على النتائج النهائية التي يحصل عليها الأطراف المتفاوضة. من أجل الفوز بأفضلها، عليك فهم المراحل التي تمر فيها العملية التفاوضية
1- مرحلة التخطيط
- ضع الحد الأدنى للأهداف المقبولة بالنسبة إليك والنتائج المتوقعة والنتائج المثالية.
- حدد الخطوات التي يمكن أن تتخذها في حال فشل المفاوضات، أو إذا لم تنتهِ على النحو الذي تريد.
- حدد احتياجاتك واحتياجات الطرف المقابل والدوافع وراء كل منهما.
- أعد قائمة بالمواضيع التي سيتم نقاشها، رتبها، ثم قيّمها، وفكّر بالتنازلات التي يمكن أن تتخذها دون أن تضرّ بموقفك التفاوضي
- حلل الطرف المقابل، ما هي أهدافه؟ وما هي المعلومات التي تهمه وهو يحتاجها؟
- تشاور مع زملائك وشركائك.
- تمرَّن على عملية التفاوض، أجرِ محاكاة صغيرة لما يمكن أن يحدث في أثناء عملية التفاوض.
- اكتب أجندتك التي تتضمن: المشاركين، الأماكن، الجدول الزمني، ومواضيع النقاش.
- ابحث عن أنجح الاستراتيجيات التفاوضية، ولا تنسَ أن تتحدث بأسلوب مليء بالثقة والهدوء طوال فترة النقاش.
2- مرحلة التفاوض والجلوس إلى طاولة المفاوضات
- قدِّم نفسك للطرف المقابل.
- قدِّم عرضك الأولي، واستمع إلى عرض الطرف الآخر المقابل له، وانتبه ألا توافق على أول عرض يُقدّم إليك.
- تأكَّد من فهمك لعرض الطرف المقابل.
- ناقش الأفكار والمفاهيم في ضوء أهدافك ومصلحتك.
- فكِّر بالتسويات المناسبة لك، ثم قرر التنازلات التي يمكنك القيام بها.
- اقترح عروضك البديلة، واستمع إلى عروض الطرف المقابل.

3- إنهاء المفاوضات
- أنهِ المفاوضات عندما تشعر أنك حققت أكبر قدر من أهدافك، أو وصلت المفاوضات إلى طريقٍ مسدودٍ.
تكتيكات وحيل للتفاوض بذكاء في الموقف التفاوض الضعيف

لن تكون دوماً في الوضع المثالي للتفاوض الذي تتمناه بالطبع، ولكن شئت أم أبيت ستدخل في عمليات تفاوض لست فيها الطرف الأقوى؛ وعليك أن تتصرف بذكاء، وتحاول جذب الطرف الآخر إلى جانبك، أما كيف تفعل ذلك فهو ما سنناقشه في هذه الفقرة.
خذ بعين الاعتبار أن تدخل عملية تفاوضية حتى إن كان موقفك التفاوضي ضعيفاً. تأكد أن لا طرف سيدخل مفاوضات معك، إلا ولديك ما تقوله، والطرف الآخر ينتظر منك شيئاً.
يوجد حيل يمكنك استخدامها في أثناء التفاوض، تزيد من قوة موقفك التفاوضي، ونلخصها في أهمّها
- اكسر الحاجز مع الطرف الآخر بطرح مواضيع مشتركة وتساعد على فهم الطرف الآخر.
- حافظ على مكانتك، وارفض أي عرض لا يناسبك، وحاول التوصل إلى تسويات مرضية للطرفين.
- فاوض بنقاط قوتك.
فروقات بين سلوكيات المفاوض القوي والمفاوض الضعيف
لا تدع موقفك التفاوضي الضعيف يُضعِف من ثقتك بنفسك وبقدرتك على تحقيق أهدافك التفاوضية، ومن أجل مساعدتك في زيادة فرصتك في النجاح، إليك أهم السلوكيات التي يفعلها كلا النوعين:
المفاوض القوي
- يبادر.
- يحلل المفاوضات ومتغيراتها.
- يضع أولويات.
- يقيِّم ويفكر بالمتغيرات التي لا يمكن قياسها.
- يمتلك مهارات تواصلية.
- يضع أهدافاً مرتفعةً ولكن واقعية.
- يمتاز بالإيجابية ويخلق جو تفاوضي إيجابي.
- يحدد استراتيجياتهم التفاوضية.
- يميل إلى العمل التعاوني بين أعضاء فريقهم.
المفاوض الضعيف
- يضع أهدافاً ذات سقف منخفض.
- يُقحم نفسه في خلافاتٍ جانبيةٍ لا داعيَ لها.
- لا ينظر إلى الصورة الكاملة لعملية التفاوض.
- يسعى إلى الفوز المطلق دون تحقيق أي منافع للطرف للآخر.
- يخاف من الانفتاح.
- لا يتعاون مع فريقه ولا يتبع منهجية واضحة .
- لا يحدد استراتيجياته التفاوضية.
- لا ينصت باهتمام إلى الطرف الآخر .
ختاماً، لا تخشى من أن تكون في موقفٍ تفاوضيٍ ضعيفٍ، فحتى في تلك الحالة تمتلك نقاط قوة يمكنك استغلالها إذا اتبعت النصائح والطرق التي تعلَّمتها في هذا المقال. التفاوض عمليةُ جوهريةُ تدخل في جميع مناحي الحياة، ومن الضروري تعلُّم مهاراته وحيله، أياً كان موقفك التفاوضيّ للوصول إلى الصفقة التي تريدها في النهاية، ولا شك أنك كنت يوماً طرفاً في عمليةٍ تفاوضيةٍ كنتَ فيها الطرف الأضعف. شاركنا تجربتك وكيف انتهت، ويسعدنا إضافتك لأي اقتراحاتٍ جديدةٍ لم يرد ذكرها في المقال، لتعمَّ الفائدة على الجميع.