
يمرّ روّاد الأعمال جميعهم في المرحلة التي يرغبون فيها تحويل فكرتهم إلى واقع ملموس، لكنّ معظمهم يقع ضحية لهذه المرحلة، إذ يحاول أن يترجم فكرته إلى أفضل شكل ممكن من المنتجات أو الخدمات التي يريد تقديمها للعملاء، ما يجعل تكاليف إطلاق منتجاته عالية جداّ، ليس ذلك فحسب، بل إنّ الكثير من الأفكار تفشل مباشرة؛ لأنّها عبارة عن افتراضات قد لا تكون صحيحة بالنسبة للعملاء.
يأتي هنا دور مفهوم هذا MVP والذي يمكن من خلاله تجاوز جميع هذه العقبات، لذلك سنتعرف في هذا المقال عن ال المفهوم وفوائده وكيفية عمله، وكيف يمكن توظيفه في قطاع ريادة الأعمال والشركات الناشئة.
تعريف الMVP
يعدّ مصطلح الـMVP اختصاراً لجملة (Minimum Viable Product) والتي تعني الحدّ الأدنى من المنتج القابل للتطبيق، أي أنّه النسخة الأولية القابلة للبيع أو النموذج المبسّط من المنتج أو الخدمة التي نريد تقديمها للعملاء، بحيث يقدّم هذا النموذج الحدّ الأعلى من القيمة التي نريد توفيرها لمجموعة محدّدة ومختارة من الزبائن.
أخذ الكثير من الباحثين والمهتمين في ريادة الأعمال مفهوم الMVP بعين الاعتبار، ولكنّ مؤلف كتاب (The Lean Startup) ” Eric Reis” يُعدّ الأب الروحي لهذا المفهوم، إذ تناوله في كتابه باهتمام بالغ، وعدّه الوسيلة الأهمّ التي تمكّن رائد الأعمال من التعلّم وتطوير فكرته بأقل جهد ممكن وذلك اعتماداً على العملاء المستهدفين بحدّ ذاتهم.
أهداف الMVP والغرض من إنشائه
يتمحور الهدف الرئيسي من إنشاء الMVP وإطلاقه حول اختبارات السوق، أي التأكد من مدى حاجة السوق لهذا المنتج وإمكانية شرائه من قبل العملاء، وعلى الرغم من أنّ هذا التوجّه مفيد لجميع الشركات بما فيها الشركات المتواجدة في السوق فعليّاً والتي تفكّر في إطلاق منتج جديد، إلا أنّ الفائدة الأكبر من الMVP تكون في مصلحة روّاد الأعمال الذين يفكّرون في إطلاق شركاتهم الناشئة بناء على افتراضات معيّنة لديهم دون يقين بمدى صحّتها.
أي إنّ الغرض الرئيسي للMVP هو اختبار الفكرة، وتحديد ما إذا كان من المفيد تطويرها بشكل أكبر لتصبح منتجاً ملائماً للسوق، أو تعديلها، أو حتّى التخلّي عنها بشكل نهائي والبحث عن فكرة جديدة تماماً.

المنافع المتوقعة من الMVP
- اختبار الفكرة مع مستخدمين حقيقيين بأقل قدر ممكن من الموارد.
- تقليص تكاليف إطلاق شركة ناشئة إلى أقل مستوى ممكن، ما يساعد في تسريع العمل، ويقلّل من الخسائر المحتملة في حال وقوعها.
- توفير الوقت والجهد المطلوبين لتطوير منتج متكامل، والحدّ من الهدر الكبير فيهما وخاصّة في حالات الفشل والإخفاق.
- يساعد في تعزيز قدرات رائد الأعمال في البناء والتفكير.
- يشكّل قاعدة يمكن أن تُبنى عليها المنتجات أو الخدمات الأخرى.
- يساهم في بناء العلامة التجارية بأسرع ما يمكن.
خطوات عملية لبناء الMVP لمشروعك
تبدأ دورة حياة الشركات الناشئة بولادة الفكرة التي تشكّل حلّاً مبتكراً لمشكلة موجودة لدى فئة معيّنة من العملاء في المجتمع، ثمّ تأتي الخطوة التي تليها مباشرة وهي بناء الMVP الذي يعبّر عن هذه الفكرة بشكل مباشر، ويضمن وصولها للشريحة المستهدفة من العملاء بشكل كامل، لذلك لابدّ من اتّباع بعض الخطوات الهامة في أثناء بناء الMVP، وهذه الخطوات تتلخّص بما يلي:

1- تأكد أنّ الMVP يتوافق مع أهدافك والفكرة التي تريد تطبيقها
يجب أن يركّز المنتج الأولي لديك على القيمة التي تريد أن تقدّمها لعملائك، وذلك لأنّ الهدف الأساسي منه هو التأكّد فيما إذا كانت الفكرة التي تحاول تطبيقها مناسبة للعملاء فعلاً، وهل هم بحاجتها أم لا، لذلك احرص على أن يعبّر منتجك الأولي عن فكرتك بشكل كامل، ولا تشتّت جهودك في تضمين أي مزايا إضافية فيه.
2- حدّد الفئة المستهدفة من العملاء بدقّة
تحتاج في هذه المرحلة إلى مجموعة محدّدة من العملاء، وينبغي أن تكون هذه المجموعة بحاجة إلى منتجك بشكل كبير لدرجة أنّها مستعدّة لقبول منتج غير كامل، لا لشيء إلا لتتمكّن من حلّ مشكلتها.
بناء على ذلك؛ يجب اختيار مجموعة العملاء هذه بدقّة كبيرة حتى تنجح في اختبار منتجك الأولي، فهؤلاء العملاء إما أن يكونوا أوائل المتبنّين لمنتجك أو خدماتك، أو أوائل الرافضين لها، وستعتمد المراحل القادمة على آرائهم وتغذيتهم الراجعة بشكل كامل، لذا من المفترض أن يشترك هؤلاء العملاء في خصائص متماثلة مثل العمر أو قطاع العمل أو مكان السّكن، أو خصائص مميزة مثل ممارسة رياضة محدّدة أو الإصابة بمرض معيّن.
3- إجراء أبحاث السوق
تتضمّن أبحاث السوق الاطلاع على الإحصائيات حول المنتجات المشابهة وتحليل المنافسين بشكل دقيق، بالإضافة إلى تحديد احتياجات العملاء، لكنّ إجراء مقابلات شخصية مع العملاء المستهدفين يعدّ من أكثر الأمور أهمية في أبحاث السوق التي تتعلّق ببناء الMVP، إذ تتطلّب مرحلة التحضير لبناء المنتج الأولي الاستماع بدقّة لآراء العملاء المستهدفين، وفهم متطلباتهم، والتأكّد من دوافع الشراء لديهم، وهذه أهمّ النقاط التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أثناء إجراء المقابلات الشخصية:
- تحدّث قليلاً واستمع أكثر، وبدلاً من الحديث حول فكرتك والمنتج الذي ستقدّمه مستقبلاً، حاول الإنصات لما يفكر به العملاء حول المشكلة المطروحة، لأنّ ذلك يساعدك في فهم احتياجاتهم بدقة أكبر.
- حاول معرفة المزيد من التفاصيل حول المستخدمين وحياتهم وأعمالهم، تبدو بعض التفاصيل هامشية، لكن قد يكون لها أهميّة بالغة في أثناء تطوير النموذج الأولي، لأنّ العميل هو حجر الأساس في منتجك، وليس ما تعتقده حوله.
- اجعل جميع أسئلتك واستفساراتك حول الماضي وليس المستقبل، أي ركّز على المشاكل التي عانوا منها بدلاً من سؤالهم عن الحلول التي يرغبون في وجودها.
- لا تسألهم بشكل مباشر عمّا إذا كانوا سوف يشترون المنتج في حال أطلقته، وحاول معرفة ردود أفعالهم اتجاه منتجات المنافسين ذات الصلة.
يجب أن تساعدك المقابلة مع العملاء في معرفة إجابات عن الأسئلة التالية:
- ما مدى أهميّة الحل الذي سأقدّمه بالنسبة إليهم؟
- هل المشكلة التي سيحلّها المنتج جوهريّة بالنسبة لهؤلاء المستخدمين؟
- إذا اشترى العملاء منتجي، هل يمكن أن يعيدوا شراءه؟
4- صمّم النموذج الأولي (Prototype) وابدأ بعرضه على مجموعة العملاء المختارة
تحتاج في هذه الخطوة إلى الانتقال من الفكرة إلى حيّز التنفيذ الفعلي وذلك من خلال تصميم النموذج الأولي للمنتج والذي سيتعامل معه المستخدمون في المرحلة التجريبية، يختلف هذا التصميم بحسب المنتج الذي تقدمه، فقد يكون موقع ويب، أو تطبيق موبايل أو غير ذلك، ولكن من المهم للغاية أن يكون التصميم بسيطاً وأن تتجنّب التكاليف العالية فيه.
على سبيل المثال، إذا كان المنتج الخاص بك هو موقع ويب، فاستعن ببعض الأدوات التي توفّر بناء مواقع ويب بسيطة بتكلفة قليلة جدّاً، بدلاً من الاستعانة بمبرمج ومصمّم ويب.
5- راقب كيف يستخدم العملاء منتجك، ودوّن ملاحظاتهم وتعليقاتهم بدقّة
تعدّ هذه الخطوة الأهمّ والأكثر حساسية من بين الخطوات السابقة، عليك البقاء فيها على مقربة من العملاء، والاستماع لتعليقاتهم، وملاحظاتهم حول المنتج الأولي، يجب أن تقابل عملاءك في هذه المرحلة بشكل مباشر، وتستمع إلى وجهة نظرهم حول المنتج الذي بين أيديهم، ومدى ملاءمته لاحتياجاتهم، وبساطة تصميمه وسهولة استخدامه، وركّز بشكل كبير على اقتراحاتهم والتعديلات التي يرغبون بوجودها في المنتج.
6- أعد تكرار النموذج الأولي بسرعة
بعد الانتهاء من الخطوات السابقة عليك إعادة تكرار عرض النموذج الأولي على العملاء مع إدخال التعديلات المناسبة، بناءً على التغذية الراجعة من قبل العملاء في كل مرة تعرض عليهم المنتج.
هذه الخطوة مهمّة في الوصول إلى الشكل النهائي من المنتج الملائم للسوق، والذي سيتمحور عملك عليه مستقبلاً، ومن المهم أن تتمتّع في هذه المرحلة بالقدرة على الملاحظة، وأن تتجنّب الملل، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها التأكّد من إمكانية نجاح فكرتك.
هل تسبق مرحلة التمويل مرحلة بناء الMVP؟
إذا كنت تريد الحصول على تمويل لفكرتك فأنت بحاجة لإثبات نجاحها للمستثمرين، ولا يمكن أن تثبت لهم ذلك إلا من خلال التجربة، وهذه التجربة هي جوهر الMVP، وفي الوقت نفسه، يحتاج بناء المنتج الأولي إلى بعض التكاليف، فكيف يمكن الخروج من هذه الحلقة؟
تمرّ دورة حياة الشركات الناشئة بعدّة مراحل منها مرحلتي التمويل والMVP، ولكن هناك مرحلة تسبق مرحلة تطوير المنتج الأولي وهي مرحلة ما قبل التمويل الأولي والمعرفة بPre-Seed Fund، وهذه المرحلة يمكن تسميتها بمرحلة التمويل المبدئي بالحدّ الأدنى، وبمعنى أدق، هي المرحلة التي يتم فيها تمويل بناء الMVP، إذ يتمّ التمويل في هذه المرحلة من خلال المدخرات الشخصية ومساهمات العائلة والأصدقاء، وهي الطريقة الأنسب لذلك.
وعلى الرغم من أنّ المشاريع الريادية ليست جميعها مشاريع تقنية، إلا أنّ الأدوات التقنية باتت توفّر حلولاً مبتكرة تساعد في بناء الMVP بتكاليف قليلة ووقت قصير، وهذا يساعد في تسريع سير العمل واختبار الأفكار ثمّ البحث عن مستثمرين ومصادر للتمويل في حال نجاحها.
شركات عملاقة بدأت مسيرتها من خلال MVP

1- شركة أمازون
رغم الحجم الهائل الذي تبدو عليه شركة أمازون اليوم إلا أنّ مؤسسها “جيف بيزوس” بدأ عمله من خلال الMVP، إذ كانت فكرته في بداية التسعينات تتلخّص بواجهة لبيع الكتب عبر الانترنت، ثمّ بدأ يختبر إمكانية بيع منتجات أخرى تدريجياً، حتى وصل إلى أكبر موقع للتجارة الإلكترونية على مستوى العالم.
2- شركة Dropbox
كانت لدى شركة Dropbox فكرة تتمحور حول تخزين الملفات ومزامنتها عبر الإنترنت، لذلك صمّم أصحاب الشركة فيديو بسيطاً مدته لا تتجاوز 3 دقائق لشرح الفكرة والمزايا التي يقدمها هذا الحل، لقي الفيديو لاحقاً قبولاً واسعاً وأدّى إلى تزايد أعداد الراغبين بشراء الخدمة حتى استطاعت الشركة أن تحتل مكانة راسخة في هذا القطاع.
3- شركة Zappos
كان لدى مؤسس شركة Zappos فكرة حول بيع الأحذية عبر الإنترنت، ولاختبار مدى نجاح الفكرة استعان بنموذج الMVP، حيث ذهب إلى بعض متاجر الأحذية والتقط صوراً للاحذية لديهم، ثم طرحها للبيع على موقع عبر الإنترنت، وكان يوصلها للراغبين بنفسه، وبعد أن تأكد من نجاح الفكرة أطلق خدمته لبيع الأحذية عبر الإنترنت، حتى أصبح موقعه لاحقاً أكبر مواقع بيع الأحذية عبر الإنترنت قبل أن تستحوذ عليه أمازون.
ختاماً، يمكن للنموذج الأولي للمنتج القابل للتطبيق الMVP أن يوفّر الكثير من الوقت والجهد والمال، وهو ما يحسم النقاش حول إمكانية نجاح الفكرة من عدمه، ويقلّل الخسائر في حال وقوعها إلى الحدّ الأدنى، لذلك فهو وسيلة آمنة لروّاد الأعمال لاختبار فرضياتهم وتسريع إطلاق شركاتهم.