
تغفل أكثر الشركات الخلطة السحرية لنجاحها المتمثلة في القيمة المقترحة (المنفعة المتضمّنة) التي تعكس تفرُّدها، وتدفع عملائها لشراء منتجاتها. يحدث خلط كبير بين مفهومي الترويج والتسويق. إذ ينظر عالمنا العربي إلى التسويق كعملية ترويج ونشر على منصّات التواصل الاجتماعي لا أكثر، ما يخالف المفهوم الحديث للتسويق، وأصبح يعد طريقة تسويق تقليدية قاصرة في ظلّ المنافسة الجادّة بين الشركات،
تتعرَّف في هذا المقال إلى مفهوم القيمة المقترحة كحل مبتكر يميزك عن منافسيك، ويجذب العملاء إليك. فما هو مفهوم القيمة المقترحة، وما فائدتها لنشاط التجاري، والفروقات بين القيمة المقترحة والقيمة المضافة، وأخيراً نشرح كيفية إعداد نموذج القيمة المقترحة في ضوء نشاطك التجاري.
تعريف مفهوم القيمة المقترحة
تُعرَّف القيمة المقترحة Value Proposition بالمنفعة أو مجموعة المنافع التي يقدمها منتج/خدمة إلى المستهلك الذيي يريد الحصول على شيء محدد عند شراء خدمة أو منتج ما. المنفعة هي الخلطة السريّة التي تدفع المستهلك إلى دفع قيمة معينة مقابل الحصول على غرض ما. يشار إلى القيمة المقترحة بمصطلح “المنفعة المتضمَّنة”، ليتجاوز مفهوم القيمة الملموسة المباشرة ويشمل أي منفعة قد يحصل عليها الزبون مقابل اقتنائه للمنتج أو حصوله على الخدمة.
لا تقتصر القيمة المقترحة على وصف الخدمة وما تشتمل عليه من مزايا، بل هي وعد يقدمه مُقدِّم الخدمة للمستهلك بشأن ما سيحصل عليه من شراء المنتج أو الخدمة التي سيشتريها، وتركّز بالدرجة الأولى على تقديم الحلّ للمشكلة الأساسية التي يعاني منها من أجل إقناعه بأهميتها بالنسبة إليه، وأفضلية مُقدِّمها على منافسيه.

أهمية القيمة المقترحة للنشاط التجاري
تعدّ المنفعة المتضمنّة واحدةً من أقوى الاستراتيجيات التسويقيّة وأكثرها فعاليّة، بل جزءٌ لا يتجزّأ من الخطة التسويقيّة لأي نشاطٍ تجاريٍ أو شركة ناشئة لأهميتها الكبيرة في الوصول الناجح إلى الجمهور المستهدف بأسلوبٍ ذكيٍّ وحقيقيٍّ وجذّاب.
تساعدك المنفعة المتضمنة في إنجاح نشاطك التجاري من خلال
- فهم شريحتك المستهدفة فهماً حقيقياً: إذا أردت أن تبتكر مجموعة منافع تضمنها في منتجاتك وخدماتك، فأنتَ كصاحب شركة أو كرائد أعمال مسؤول عن التواصل مع جمهورك والتعاطف معهم، والتفكير بعقليتهم، وفهم آلاماهم ومشكلاتهم.
- ارتفاع عدد عملائك نتيجة ملاءمة ما تقدّمه لهم من حلول مع ما يعانون منه من مشكلات، وشعورهم بأفضليتك على منافسيك.
- امتلاك الأفضلية والتميّز على المنافسين من خلال قربك الدائم من زبائنك، وفهم حاجاتهم وظروفهم المتغيرة التي تغيّر من دوافع الشراء لديهم مع مرور الزمن،

مقارنة بين المنفعة المتضمّنة والقيمة المضافة
بسبب وجود خلط شائع بين مفهومي القيمة المضافة added value والمنفعة المتضمّن value proposition، نشرح الفرق الجوهري بينهما.
تمثل القيمة المضافة المستوى العميق من المنتج، أو الغاية الكبرى من وراء الحصول على المنتج،. تجيب عن سؤال “كيف” كيف أكون أفضل من منافسيّ؟ كيف أطوّر من ميزات منتجاتي؟ بينما تجيب المنفعة المتضمنّة عن الحالة المتمناة التي يريد الزبون الوصول إليها من اقتنائه على هذا المنتج أو حصوله على هذه الخدمة” بطرح سؤال “لماذا”، لماذا يشتري الزبون هذا المنتج؟ لماذا يريد الزبون أن يحصل على هذه الخدمة؟
نرى هذا الفرق واضحاً في المثال التالي: ركّزت نوكيا على القيمة المضافة في منتجها، وسعيها الدائم لتطويره وإضافة مزايا جديدة في كل منتج جديد تطرحه، بينما ركّزت شركة آبل على المنفعة المتضمنة بأن تسأل لماذا ياقتناء هاتف نقال؟ بمعنى آخر ركزت آبل على تطوير المنفعة المقدمة بدل التركيز على المنتج وتطويره؛ وكانت نتيجة ذلك أن تصدّرت آبل شركات عالم الاتصالات بما قدّمته للبشرية من نقل خدمة التواصل بين البشر إلى مستوى أعلى؛ بسبب تركيزها على المنفعة المتضمنة.
القيمة هي سر وجود أي شركة أو منتج أو خدمة، تستمرّ بحضورها وتغيب بغيابها، ولعلّ المشكلة الكبرى التي تقع فيها أكبر الشركات هي التركيز على المنتج وتطويره، بدل التركيز على القيمة المقترحة وتطويرها؛ فتطوير القيمة المقترحة نقطة أساسية جداً بالنسبة للمشاريع الناشئة، لضمان إثبات وجودها واستمراريتها وتوسّعها .
إعداد نموذج القيمة المقترحة
حتى تضمن نجاح المنفعة المتضمّنة لنشاطك التجاري، عليك أن تتعلَّم المراحل الأساسية التي يمرّ بها إعداد النموذج الصحيح للقيمة المقترحة المنفعة المتضمنة.
تمر عملية إعداد نموذج القيمة المقترحة بالمراحل التالية
1- دراسة الشريحة المستهدفة: عليك قبل أن تبدأ بتصنيع أي منتج أو تقديم أي خدمة تحديد الجمهور المستهدَف، والتواصل معه، والتعرُّف إلى المشكلات التي يعاني منها والبحث عن حلول لها، ثم توظّف هذه المعلومات في تحديد المنتج أو الخدمة التي ستقدّمها.
في هذه المرحلة، تطبّق الشركات نموذج العمل “من الخارج إلى الداخل” (Pull Strategy)،أي تبدأ رحلة العمل من العميل ثم إلى الشركة، فتسحب أكبر قدر من المعلومات عن الشريحة المستهدَفة وحاجاتهم وظروفهم، وتقدّم لهم منتجاً يلائمهم ، فبدلاً من التركيز على المزايا التي تُعرف ب Solution-Space “مساحة الحلول“، توجّه اهتمامها إلى Problem-Space مساحة المشكلة. وهي عكس الـ Push Strategy التي تركّز على المنتج وخصائصه، ومن ثم تروّج له ليقتنيه الناس.

2- استكشاف الألم الحقيقيّ الذي تعاني منه الشريحة المستهدَفة ومعرفة أولويّاتهم والانتقال من المشكلات الظاهرية؛ لاستكشاف الألم الحقيقيّ الذي يعانيه.
تذكّر أن طرح الأسئلة الصحيحة أهم بكثير من إيجاد الجواب الصحيح عن سؤال خاطئ! بالإضافة إلى تصنيف المشكلات التي يعاني منها جمهورك، وترتيبها بحسب الأولوية بالنسبة إليك، والتركيز على المشكلات ذات الألم الأكبر (Focus on “Must have” not on “Nice to have)، بهدف ابتكار المنفعة الرئيسة التي تشكل الدافع الرئيسي للعميل؛ لشراء خدمتك دون غيرك من المنافسين. ليس بالضرورة أن يكون منتجك مثالياً فيه كل الخصائص وأعلى المواصفات، بل عليك أن تصنع المنتج أو تقدّم الخدمة الصحيحة التي تحلّ مشكلة حقيقية ذات أولوية كبرى عند الزبون!
هل ستزيد عدد نقاط الخروج، وبالتالي أنت تحتاج لعدد موظفين أكبر وأجهزة أكثر، وسيكون ذلك على حساب مساحة المتجر. وفي هذه الحالة أنت ركزت على المشكلة الظاهرية المتمثلة في الوقت الذي تحتاج إليه عملية الدفع ولكن ماذا لو فكرت بالمشكلة من منظور آخر: ما الذي يجعل زبونك يتجول لفترة أطول دون الشعور بضيق، ستكتشف حينئذٍ أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الوقت بل في الملل والضيق من الانتظار في طابور الخروج، من هذا المنظور قد تبتكر حلولاً أخرى أقلّ كلفة وأكثر عمليةً من الحلّ الذي طرحته سابقاً نتيجة تركيزك على المشكلة الظاهرية بدل استكشاف الألم الحقيقيّ لدى الزبون; فتفكيرك يجب أن ينصبّ على كيفية تحويل تجربة الوقوف على الطابور إلى تجربة ممتعة بدل أن يكون تركيزك منصبّاً على كيفية تسريع عملية الدفع.

3- تحديد الممارسات والأساليب المناسبة لإخراج المنتج المناسب للزبون: الآن كيف سيكون المنتج وما هي مواصفاته، والتركيز على العمليّات والإجراءات التي ستطبقها، لتصنيع هذا المنتج أو تقديم تلك الخدمة بالصورة الملاءمة لتوقعات الزبائن المحتملين.
فمثلاً لو اكتشفت أن عدداً لا بأس به من الزبائن المحتملين لازالت تبحث عن طعام جاهز لذيذ، وأن البدائل المتوفرة حالياً لا تلبي رغباتهم، وكنت قادراً على سدّ هذه الفجوة بما تملكه من مهارات سابقة، فيصبح السؤال: هل ستفتح مطعماً ذا خدمة سريعة؟ أو مطعماً مع جلسة مريحة؟ أو قد تقرّر أن تفتح مطعماً سحابياً وتقدم طعامك الشهيّ مع خدمة التوصيل إلى المكاتب والمنازل من خلال تطبيق يتيح للزبون أن يطلب ما يشتهيه من خلال ضغطه على بضعة أزرار. لاحظ أنّ العمليّات الإجرائية والخطوات التنفيذيّة ستكون مختلفة تماماً في هذه الحالات الثلاث،
4- خارطة التموضع: ترتبط خارطة التموضع ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الجمهور المستهدف، والمنفعة المتضمنة في المنتج والخدمة. فلا يمكنك مثلاً أن تقدّم وجبات باهظة الثمن، إن كنت تستهدف شريحة الزبائن ذوي الدخل ما دون الوسط، ولا يمكنك أن تنجح في مشروعك إن كنت تستهدف طبقة الأثرياء وفتحت مطعمك في حيّ شعبيّ.
تتيح لك خارطة التموضع التفكير عملياً في محدّدات المنافسة الرئيسة، والموازنة بين قدرات الشراء لدى الشرائح المختلفة من الزبائن وتقاطعاتها مع قدرات شركتك الداخلية؛ من أجل البحث عن أفضل ملاءمة بين المنافع التي ستضمّنها بمنتجاتك وخدماتك، وبين حاجات ورغبات ومشكلات وظروف إحدى هذه الشرائح، والتي سينطلق منها مشروعك آخذاُ بعين الاعتبار سوق المنافسة الذي تعمل فيه وميّزات وعيوب المنافسين. .
دراسة شخصية الزبون أو رسم ملامح الزبون؟
لن يكون بمقدورك ابتكار منفعة حقيقية دون دراسة تحليليّة معمّقة لشخصية زبونك المحتمَل، ورسم ملامح عامة لهذه الشريحة التي يمثلها.. يقسّم علم النفس التسويقيّ ملامح الزبون لثلاثة عناصر رئيسة:
1- تحديد الدافع الرئيسيّ وراء اقتناء المنتج أو الخدمة
في هذا المستوى، يمكنك تطبيق إطار “الأعمال التي يجب تنفيذها Jobs-to-Be-Done ” عند دراسة شخصية العميل. عليك كصاحب فكرة أو صاحب شركة أن تبحث عن الهدف النهائيّ الذي يقدمه منتجك أو فكرتك للعميل. فعلى سبيل المثال نذكر فرد التثقيب، لماذا يشتري العميل فرد التثقيب؟ بالطبع ليس من أجل شكله، أو لونه،أو حجمه؛ يشتريه من أجل الثقب الذي يُحدِثه هذا الفَرد، إذاً الغاية الرئيسة والوظيفة الكبرى من شراء فرد التثقيب هو الثقب الصغير فقط لا غير، ولكن لو تخيلنا أن إحدى شركات الموبايل قد طوّرت تطبيقاً يُحدِث الثقب بمجرد وضع كاميرا الموبايل على الحائط لمدة 3 ثوانٍ مثلاً، فمن سيلجأ لفرد التثقيب بعد اليوم؟ ليس بسبب أي عيب في فرد التثقيب؛ بل لأن المنتج الجديد قادرٌ ببساطة على تحقيق ما يريده الزبون بطريقة أسهل وأبسط وأوفر من ذي قبل. نشير هنا إلى أهمية التركيز على معرفة الغاية الرئيسة من منتجك أو خدمتك، والتي قد تفتح لك آفاقاً تنافسيّة كبيرة.

يُقسم الدافع لاتخاذ قرار الشراء إلى ثلاث حاجات رئيسيّة
- حاجات وظيفيّة Functional
- حاجات اجتماعية Social
- حاجات عاطفية emotional
إذاً معرفة وتحليل الغاية الرئيسة التي يحتاجها الزبون، والتي قد تأتي في واحدة أو أكثر من هذه الأشكال تسمح لك أن تفهم النقلة النوعية التي يريدها زبونك من وراء اقتناء منتجنا أو الحصول على خدماتك، وتشكّل هذه النقطة أولى خطوات رسم ملامح الزبون لتحفيز دوافع الشراء لديه.
2- مشكلات الزبون مع منتجات المنافسين وتُعرف ب الآلام Pains
لا معنى لأي منتج أو خدمة ما لم تأخذ المنفعة المتضمنة بعين الاعتبار حل المشكلات التي يعاني منها العميل؛ ولذلك احرص قبل إطلاق خدمة أو منتج أو شركة أن تطرح حلاً لمشكلة رئيسية حقيقية يعاني منها عميلك.
3- الرغبات الإضافية Gains
نقصد بالرغبات المحفّزات الإضافية التي تزيد من سعادة الزبون ورضاه. وإذ يساهم حل المشكلات التي ذكرناها في النقطة السابقة باتخاذ قرار الشراء لأول مرة، فإن معرفة المحفّزات الإضافية التي تزيد من سعادة الزبون ورضاه تساهم في تكرار عملية الشراء مرات عديدة نظراً لإعجابه بما تقدّمه مقارنة بتوقّعاته المسبقة.
تُقسم المُحفزات الإضافية إلى ثلاثة أنواع:
- الرغبات المتوقَّعة Expected Gains كأن تتوقع أن تقضي تجربة جميلة في مطعم ما. وهذا هو الحد الأدنى من المحفّزات، أن يكون مستوى ما يحصل عليه الزبون مطابقاً لتوقّعاته المسبقة التي وعدته أنت بها.
- الرغبات المرجوّة أو التمنيات Desired Gains وهي المحفّزات التي يتمنى الزبون لو أنها كانت موجودة. كأمنيتك بأن يوفّر لك شركة التكسي خدمة الإنترنت المجاني مثلاً في أثناء رحلتك..
- الرغبات غير المتوقّعة Unexpected Gains وهي الرغبات التي لم تكن لتخطر على بال الزبون من قبل، مثل الحصول على عرض خصم حصري خاص بك من أحد المتاجر التي ترتادها بمناسبة عيد ميلادك.
ختاماً، تحتاج الشركات التي تسعى إلى التميّز على المنافسين إلى وضع المنفعة المتضمنة ضمن خطتها التسويقية، حتى تتمكن من مخاطبة جمهورها بأسلوبه، والتفكير بأفكاره، والخروج بخدمات ومنتجات يحتاج إليها بالفعل بدل تقديم الخدمات التي تعتقد بأهميتها له. قراءتك لهذه السطور هي بداية الطريق لتعديل مفهومك عن التسويق، وتغيير منظورك في مخاطبة جمهورك، تذكّر أنّ جمهورك هو بوصلتك في العمل، وأنّ شركتك وُجدت لتلبّي حاجاته، وتحلّ مشكلاته بطريقة مربحة! .